وكذلك من أمن خداع الله ، وخلط الخوف والرجاء أنه إذا تذكر المسلم النار والعذاب ، فإنه يتوب إلى الله تعالى ، ويوقف الذنوب والمعاصي والسيئات | كل الناس ما عدا العارفين والعلماء ، أي علماء الله تعالى وآياته ، وحضورهم عزيز وقيل ، أما من أتقن رسم العلم فهم أبعد الناس عن الخوف |
---|---|
وسلم علي رضي الله عنه من صلاة الفجر يوماً وقد علاه كآبة وهو يقلب يده ويقول: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر اليوم شيئا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قد باتوا سجداً وقياماً يتلون كتاب الله تعالى يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا ذكروا الله وتمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم بالدموع حتى تبل ثيابهم، والله فكأني بالقوم باتوا غافلين فما رؤي بعد ذلك ضاحكاً حتى ضربه ابن ملجم الخارجي | فعلى المسلم أن يلزم هذا الطريق الذي هو طريق النبيين والمرسلين والصالحين وحسن أولئك رفيقا، بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم |
تقول عائشة رضي الله عنها: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم.
فلمَّا رأت أنه لا ينظر إليها غطَّت وجهَها وانصرفتْ | رجاء يبلغ المدى، وخوف يبلغ المنتهى |
---|---|
والإنسان أبصر بنفسه، فإذا كان تغليب الحب والرجاء وحسن الظن، يثمر معه أكثر من الخوف؛ فلا حرج عليه في هذا التغليب، مع عدم إغفال الخوف بالمرة، فيستحضر الخوف كلما قصر أو زلّ، أو رأى تأخره عن السابقين الصالحين | فهذا مؤذن يؤذن لله أربعين سنة لا يبتغي الأجر إلا من الله، وقبل الموت مرض مرضاً أقعده في الفراش، وعجز أن يخرج إلى بيت الله ليرفع الأذان، وقبل الموت بساعات بكى وقال: يا رب! وقال آخرون: لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن، ويؤيده ما أخرج الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف |
.
فإن غلب الخوف على المسلم ، كفر بربه ، وأصبح من الخوارج الذين هم أصحاب النار ، وان غلب الرجاء على المسلم ، أصبح متكلا على الله تعالى ، ومتمنيا دون عمل الصالحات ، والمقللين من شأن الأعمال التي وقربهم لله عز وجل ، كما أن التمني أو الاعتماد على الرجاء يعتبر آمن من مكر الله كما ذكر في القرآن الكريم | أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! فالجواب: أن المؤمن غير متيقن صحة عمله، فمثله من بذر بذراً ولم يجرب جنسه في أرض غريبة، والبذر الإيمان، وشروط صحته دقيقة، والأرض القلب، وخفايا خبثه وصفائه من النفاق، وخبايا الأخلاق غامضة، والصواعق أهوال سكرات الموت، وهناك تضطرب العقائد، وكل هذا يوجب الخوف عليه، وكيف لا يخاف المؤمن؟ وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة رضي الله عنه: هل أنا من المنافقين؟ وإنما خاف أن تلتبس حاله عليه، ويستتر عيبه عنه، فالخوف المحمود هو الذي يبعث على العمل، ويزعج القلب عن الركون إلى الدنيا، وأما عند نزول الموت، فالأصلح للإنسان الرجاء، لأن الخوف كالسوط الباعث على العمل، وليس ثمة عمل، فلا يستفيد الخائف حينئذ إلا تقطيع نياط قلبه، والرجاء في هذه الحال يقوي قلبه، ويحبب إليه ربه، فلا ينبغي لأحد أن يفارق الدنيا إلا محباً لله تعالى، محباً للقائه، حسن الظن به، وقد قال سليمان التيمي عند الموت لمن حضره: حدثني بالرخص، لعلي ألقى الله وأنا أحسن الظن به |
---|---|
والذين تابوا وهذا من رحمته سبحانه أنه لا يعاقب | والرجاء مثل الدواء الذي يطيب الجراح ، لمن يأس من رحمة الله تعالى ، حتى اصابه السفن ، ومن غلبه خوفه ، الذي أودى بحياته وحياة من حوله |
فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان أو أحدهما صار نهبة لكل صائد وكاسر.