قال أيضاً جندب بن عبدالله رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلمانً حزاورة، - حزاورة: في بداية سنّ الشباب - فتعلمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان ثم تعلّمنا القرآن، فلما تعلّمنا القرآن ازدادنا به إيمانا | وجاء عنه r: أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْــلي ، وما جاء كذلك: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ u قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ r سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ إِلا الْيَوْمَ فَسَلَّمَ ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بنورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأْ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلا أُعْطِيتَهُ |
---|---|
وأشهد أن لا إله إلا الله خصَّ خواتيم البقرة بمزيدٍ من العطاء والفوائد المنتثرة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أخبر أن قراءة خاتمة البقرة درعٌ وحمايةٌ وجُنة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة والتابعين بإحسان ومن تبعهم من الخيرة | تضمنت هذه الدعوات الجليلات من عظيم الفوائد والمنافع: 1- أن الإيمان هو أعظم أعمال القلوب المستلزم لأعمال الأركان |
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته فإذا قال العبد { الحمد لله رب العالمين } قال الله تبارك وتعالى :حمدني عبدي وإذا قال { الرحمن الرحيم } قال الله تبارك وتعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال { مالك يوم الدين } قال الله تبارك وتعالى: مجدني عبدي، وإذا قال { إياك نعبد وإياك نستعين } قال الله تبارك وتعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، بيني وبينه، أي الآية مقسومة نصفين؛ إياك نعبد: هذا حقّ الله، نحن نقرّ بأننا عباد لله حريصون على إقامة العبادة لله، اعترافاً لله عز وجل بهذا الحق العظيم، فهذا الجانب لله { وإياك نستعين } نطلب من الله تبارك وتعالى أن يمدنا بالعون لكي نستطيع أن نقوم بهذه العبادة، فإن الله عز وجل إذا لم يعن العبد على عبادته فإنه لا يطيق ذلك، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: يا معاذ والله إني لأحبك فقال معاذ: يا رسول الله وإني والله لأحبك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ هذه الكلمات ويكأنه يعبّر عن محبته له بأن أهداه هذه الهدية، فقال: يا معاذ لا تدعنّ أن تقول دبر كل صلاة - بعدما تنتهي من صلاتك - اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك | ومن المناسبات: لما ضمَّن الله هذه السورة أكثر علم الأصول والفروع من دلائل التوحيد والنبوة، والصلاة والزكاة، والمعاد والقصاص، والصوم والحج والجهاد، والحيض والطلاق والعِدة والخُلع والإيلاء والرضاعة، والربا والبيع، وكيفية المداينة، ناسب تكليفه إيانا بهذه الشرائع أن يذكر أنه تعالى مالكٌ لِما في السماوات وما في الأرض فهو يُلزم من يشاء من مملوكاته بما شاء من تعبداته وتكليفاته |
---|---|
أي: لا تحمّلنا من التكليف والمصائب والبلاء ما لا نقدر عليه | وهذا يدل على عنايتهم الكبرى بدينهم، وأنه شغلهم الشاغل مرضات اللَّه تعالى في كل الأحوال والأوقات؛ فإن همَّ الدين والآخرة هو الهمّ المرغوب فيه حيث يحوي خيري الدنيا والآخرة، قال النبي r: مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ |
ومن فضائلهما: ما رواه أحمد والطبراني وأبو داود الطيالسي بسندٍ صحيحٍ عن أبي ذرٍّ —رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتِ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي".
25