وثيقة المدينة جاءت وثيقة المدينة بعد المُؤاخاة؛ لتنظيم العلاقات بين الناس في المدينة المُنوَّرة ضمن نصوصٍ مكتوبةٍ تُبيّن لكلٍّ منهم ما له وما عليه، وتضع الضوابط التي يسير الناس عليها في تعاملهم مع الآخرين داخل المدينة وخارجها، وقد مثّلت الوثيقة أوّل دستورٍ مدنيٍّ في الدولة الإسلاميّة في المدينة المُنوَّرة، ولم تترك الوثيقة قبيلةً من قبائل المدينة إلّا وضعت لها بنداً وقانوناً، ونظّمت العلاقة بين القبائل، كما نظّمت الوثيقة حركة المسلمين وغيرهم بين مكّة والمدينة | مرحلة الإذن بالقتال جاءت هذه المرحلة بعد هجرة المسلمين من مكّة المكرّمة إلى المدينة المُنوَّرة؛ حيث أنزل الله -تعالى- قوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، فقد أَذِنَ الله للمسلمين بالقتال بعد ما عانوه من أذى المشركين قبل هجرتهم، ممّا أدّى بهم إلى الخروج من مكّة تاركين خلفهم كلّ ما يملكونه، وكانوا أثناء تعرُّضهم للأذى يأتون إلى رسول الله يشكون إليه، وكان يُخبرهم في كلّ مرّةٍ أنّه لم يُؤذَن له بالقتال بعد، وذلك إلى حين بيعة العقبة الثانية؛ حيث تضمّنت اتّفاق رسول الله مع الذين بايعوه على أن ينصروه ويدافعوا عنه؛ فدلّ ذلك على قُرب الإذن بتشريع الجهاد، والقتال، وبعد أنْ هاجر المسلمون إلى المدينة بدأت قوّتهم بالتّشكّل، وأَذن الله تعالى لهم بالقتال، وكانت طبيعته في بداية الأمر على هيئة مهام قتالية محدّدة وسريعة، وكلّ ذلك كان قبل وقوع |
---|---|
فكانت الحكمة ألا يعلن ويجهر بالدعوة تأجيلا للمواجهة المحتومة حتى يقوى ساق نبتة الإسلام، وتتعمق جذوها وتقوى على مواجهة رياح الكفر العاتية وجبروت المنكرين المنتظر والمتأكد، وحتى يستطيع أصحابها الصبر والصمود أمام هذه الابتلاءات القادمة لا محالة | ثم جاء الغد بـ عثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا أجمعين |
الحكمة من سرية الدعوة وكان السبب لسرية الدعوة في بداياتها هو الحفاظ على الدعوة الناشئة وصيانتها من الهلاك والدمار، فقد كانت نبته تحتاج لرعاية وعناية حتى تقوى وتتجذر ويصعب على المعاندين اقتلاعها.
ثم سار الأمر على هذ االنحو وسار المؤمنون على هذا النهج، فبدأت عجلة الدعوة تدور، وبدأ عداد المنتسبين لدين الله يضيف أرقاما على أرقامه وإن كان تحركا بطيئا | الدعوة إلى الإسلام أرسل الله -تعالى- ، والرُّسل -عليهم السلام-، وكلّفهم بأشرف الوظائف؛ وهي الدعوة إلى الله، فأدّوا الأمانة، وبلّغوا الرسالة، وقد نالت الدعوة إلى الله مرتبة عالية وأهمية عظيمة، وفي هذا يقول المولى -سبحانه-: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وما كانت الدعوة إلى الله بتلك المرتبة؛ إلّا لِما لها من النتائج، كهداية الناس وإرشادهم إلى ، وتكون الدعوة إلى الله بالدعوة إلى دينه، والسَّير على طريقه، واتّباع ما أمر به، والابتعاد عن كلّ ما يُدخل في عبادته، والتقرُّب من كلّ ما أمر به الإسلام، والابتعاد عن كلّ ما نهى عنه |
---|---|
واستمرّ المسلمون على ذلك النهج؛ ففتحوا بلاد العراق، وإيران، حتى أصبحت بلاد فارس جميعها إسلاميّةً، وأكملوا ما تبقّى من فتح بلاد الشام بقيادة عامر بن الجراح حتى وصلوا إلى بيت المقدس، فصالح عمر بن الخطاب أهلها، ومنحهم الأمان، وأكمل عثمان بن عفان مسيرة مَن قبله؛ فأرسل الجيوش إلى أفريقيا، وبلاد ما وراء النهر، وغيرهما، ويُشار إلى أنّ دعوة الخلفاء امتازت بالوعي الفكريّ؛ حيث اعتنق معظم سكّان البلاد الإسلام، وظهر الاهتمام بالتعليم، وبرزت الجهود الفكريّة في المراحل جميعها، ومنها: جمع القرآن في عهد أبي بكر، ونسخه في عهد عثمان، والحرص على نشر العلم، وحفظ القرآن، والسنّة النبويّة الشريفة، وغيرها من الجهود |
وأما مدة الدعوة السرية فقد ذكر أكثر أهل السير أنها كانت ثلاث سنوات على المشهور.
17