والذي هو أصل النور الموجود فيك وأنا عبد لبحر النور « 595 » الذي أخرج جوهرة مثلك | يثنين سيقانهن ويتكوّرن على أنفسهن كالأجنّة لينطلقن في كل الاتجاهات |
---|---|
وقد دعا الملك هاروت الملك لقمان ومرافقيه إلى وليمة في أعماق المحيط | وقد أباشر به هذا الصيف |
انقلبت الحيتان على ظهورها واستقامت بشكل عمودي في الماء وراحت تؤتي حركات راقصة لتشقّ الماء بزعانفها الكبيرة، وما لبثت أن عادت إلى وضعها ليمتطيها الرّاقصون ويقفوا على ظهورها ويشرعوا في أخذ أوضاع قتاليّة دفاعيّة متسلّحين بالسّيوف والرّماح والدّروع مستطيلة الشكل، فيما راحت الدّلافين تتراجع لتأخذ أماكن لها خلف الجيش.
6خرج الملايين من الناس من هول الدَّهشة التي ألّمت بهم وشرعوا يخرّون ساجدين في كُلِّ مكان، ولأوّل مَرّة لم يطلب الملك لقمان إليهم النّهوض، بل راح يرسل بصره وبصيرته إلى كافة أنحاء الكوكب، فنظر أوّلاً إلى الشرق فشاهد خلف الجبال والسّهوب آلاف مواكب الموتى وآلاف الحرائق التي تندلع في كل مكان وتحرق فيها الجثث، فأعاد الحياة إلى الموتى الذين لم تحرق جثثهم بعد، وإلى الموتى الذين تحوّلت جثثهم إلى رماد، ثمَّ أرسل بصره إلى الشّمال ليخترق الجبال والبحار والمحيطات، فشاهد آلاف المواكب والحرائق، فأعاد الحياة إلى الجميع، ثمَّ أرسل بصره إلى الغرب فشاهد آلاف الأهوال فأعاد الحياة إلى الموتى، ونظر أخيراً إلى الجنوب فشاهد ما هو أكثر هولاً ورعباً، فأعاد الحياة إلى الموتى والمحروقين، فضجّت السَّماء فوق الكوكب القمري بملايين البشر الذين راحوا يحطّون على الأرض ويسجدون، ليسجد كل سُكّان الكوكب ممن أعيدت لهم الحياة، أمّا أولئك الذين كانوا يلقون بأبنائهم في النّهر فقد راحوا يهزجون بالأناشيد الدينيّة ويلقون بالمزيد من الأطفال والبنين والبنات في مياه النّهر الإله، لاعتقادهم أنّه استجاب لتضحياتهم وما قدّموه من قرابين، فصفح عنهم وأعاد الحياة إلى موتاهم، وكانت هذه حال الآلاف من الذين كانوا يضربون جذوع الأشجار بالعصي والهروات والبلطات، فقد اعتقدوا أنّهم نجحوا في طرد الشياطين التي سلّطها ربّهم عليهم لتنزل بهم الأمراض، فتابعوا ضرب الجذوع وتحطيمها لطرد أرواح الشياطين منها، وكذلك المرضى الذين كانوا يُضربون أو يرقصون لطرد الشياطين من أجسادهم فقد تابعوا طقوسهم اعتقاداً منهم أنّ ربّهم سيستجيب لهم ويخلّصهم من أمراضهم، كما خلّص من ماتوا ومن أُحرقوا | أنزل عليهم غضبك يا طوطمي العظيم، اخسف بهم الأرض أو أرسل جيشاً يحملهم إلى أعالي السَّماء ليقذفهم من هُناك على الصّخور المسننة، أنزل عليهم نارك وصواعقك" مزّق أجسادهم إلى أشلاء، واعصف برياحك العاتية لتبدد شملهم في الفيافي والقفار" وانتظر الملك أن تستجيب النّسور له، غير أنّ أياً منها لم يستجب فشرع يصرخ باكياً بصوت مُفجع ويلطم رأسه وصدره، ونهضت النّسوة الساجدات وشرعن في اللطم وأخذن يعتصرن أثداءَ هن أو يمزّقنها بأظفارهن حتّى تخضبت بالدّم |
---|---|
وتابع الملك طيرانه فوق النّهر العظيم وكُلّما اجتاز مسافة فوقه صعد منه آلاف الأولاد والفتيات وحلّقوا ليتبعوا الموكب | نهض الكهنة من أماكنهم وهم يهتفون "وعليكم السَّلام" |
ثم أنين الروح نفسها حين بست في هذا القفص الجاهل عاشق الكدح والذي كتب عليها الكدح إلى الأبد " لا أقسم بهذا البلد ، وأنت بهذا حل بهذا البيت ، ووالد وما ولد ، لقد خلقنا الإنسان في كبد " وكتب عليها أيضا أن تعاني الكدح في هذا السجن القفص ، المزبلة ، جوال الطين وعند غيابها يزداد كبد الإنسان وتعبه وتتفرق به الأودية والمسالك فلا يبالي في أيها هلك.
إذن فكيف تطلب نارا أخرى ؟!! خرج الملك والملكة وملك الملوك وكل من في المركبة على الشُّرفات" وما أن اقتربوا ليسلكوا الطّريق بين الصَّفين محاطين بالملائكة والمُرافقين من الجنّ حتّى هتف صوت هائل: "الملك نمرود الجبّار ملك ملوك الجنّ العفاريت في السَّماء الثالثة وأعوانه يرحّبون بجلالة ملك الملوك، ملك الإنس والجن والملائكة والدوّاب والنّبات لقمان العظيم" أدرك الملك لقمان أنّه غدا بفعل كلمات الملك هاروت الثّلاف ملكاً على كل الكائنات الحيّة! وهذا العرفان المبني على الكشف هو المحك الصادق عندهم | لماذا يا إلهي تجعل كُلَّ هذا يحدث، لِمَ تتيح لكُلِّ هذه الدّماء أن تنزف، ولكُلِّ هذه الأرواح أن تقضي، بكم قلبٍ سأحتمل كُلَّ هذه العذابات والآلام، وأنت لم تمنحني سوى قلبٍ واحدٍ ضعيف؟" وأنزل الملك رأسه وهو يُطبق بيديه عليه ويتنفّس بتسارع وعمق لعلّه يسيطر على نفسه |
---|---|
ألحّت الملكة نور السَّماء على الملك لقمان أن يُعطي جسده بعض الحق، ويريح نفسه ليوم واحد على الأقل من عناء مشاكل الكواكب والبحث عن الحقيقة، فأذعن لها، تاركاً المركبة تنطلق بسرعاتها الخياليّة تجتاز ما يمكنها أن تجتازه من سماوات، وعندما استيقظ من النوم كانت الملكة نائمة، فغسل وجهه ونزل ليجلس في الحديقة إلى جانب المسبح ويأخذ قهوته هُناك | فشكره الملك لُقمان وصافحه معانقاً |
لم يخطر ببال الملك لقمان أنّه سيجد نفسه أمام محاولة إغواء فور وصوله إلى الحديقة.
16